فرسان وكهنة
فرسان وكهنة
Regular price
$11.99
Regular price
Sale price
$11.99
Unit price
per
رواية فرسان وكهنة لمنذر القباني -- قليلة هي الأعمال الأدبية التي تظهر دور الأدب في التاريخ وربطه بتجربة إنسانية حيّة وصياغتها صياغة فنية تحقق المتعة والفائدة معاً. ولكن الدكتور منذر القباني اشتغل على أكثر من ذلك، حين عمل على إحياء الذاكرة الفردية والمكانية والمجتمعية بعناصر من الواقع، والوثيقة، والسرد، والخيال، فاحتشدت كل العناصر التي تضبط جدلية العلاقة بين الإنسان من جهة وبين التاريخ والإبداع السردي من جهة أخرى. وكانت ثلاثية "فرسان وكهنة" المشروع الروائي الجديد في بنيته الزمنية وفضائه المكاني وأشخاصه أقرب ما يكون إلى الحقيقة والواقع. فقد بنى الروائي أحداثه من مركزية حقيقة الحدث (وجود القائد جنكيز خان كشخصية تاريخية حقيقية) إلى الحدث المتخيل والمفترض المنسوج تحقيقاً لهذا الواقع أو خلق عالمه الموازي (حقيقة وجود الطبيب مراد قطز في الحياة وحقيقة انتقاله إلى العالم الآخر) فكان الحدث أشبه بمشاهدة شريط سينمائي لا يخضع فيه القارئ إلى معايير الزمان والمكان، بل إن الروائي يترك له حرية مشاهدة الأحداث من أي زاوية يراها مناسبة وحتى حرية التنقل بين هذه الأحداث وزواياها المختلفة، فتارة يجد نفسه أمام همجية المغول في القرن الثاني عشر وتارة أخرى في القرن الواحد والعشرين يتابع سير شبكة من العلاقات الاجتماعية المتشابكة في مجتمع مخملي يضم سادة وعبيد في قصر من قصور الرياض، وهذا ما جعل الروائي يحرّك شخوصه عبر الزمن وكأنهم يتحركون أو الزمن يتحرك من حولهم.
فمراد قطز الشخصية الرئيسية في العمل رأى أن الذي حدث له في الماضي، وكأنه كان يحدث في الحاضر حتى أنه تساءل: "هل بإمكاني أن أفعل ذات الشيء؟ هل بمقدوري إعادة مشاهدة الأحداث التي مرّت بي، وكأنها حية أمامي؟...". ويأتي الجواب من الروائي على لسان شخصية من الرواية عبر حقيقة علمية أثبتتها التجربة، ولكن كثير من الناس لا يدركونها، لأنهم لا يلاحظونها في حياتهم اليومية، "... الواقع كما يراه الإنسان والواقع كما هو قد لا يكونا ذات الشيء. بل هناك ما هو أدهش من ذلك. فبحسب فيزياء الكم، العالم كله قائم على الاحتمال وليس على اليقين، فكل شيء قابل للتحقق مهما كانت غرابة ذلك الشيء. هي فقط مسألة احتمال قد يكون ذلك الاحتمال ضئيلاً وقد يكون كبيراً، وهذا ما يحدِّد مجريات الحياة اليومية".
وعلى هذا يكون وجود الإنسان في بقعة من الأرض لا يمكن أن يكون بلا معنى أو محل مصادفة، بل هناك رابط كبير يربطه بهذا المكان. ولكن الذي لم يفهمه بكل الرواية بعد هو لماذا هذا الزمان؟ ذلك السؤال المحيّر الذي يجيبنا عنه منذر القباني في ثنايا الرواية بكثير من الحكمة والتعقل: "لطالما عبر تاريخ الإنسان ظلت هناك أمور عصية على الفهم، تشكل له تحدياً يدفعه إلى السؤال والبحث، والعجيب في الأمر، أنه ما أن يقوده بحثه للإجابة عن سؤال محيّر، حتى يكتشف أن الإجابة قد تولد عنها أسئلة جديدة ليس لها عنده جواب. وهكذا عبر العصور، ظل الإنسان يسأل، ويبحث، فيسأل، ثم يبحث من جديد، وكأنه يسير في دائرة مغلقة، لا بداية لها ولا نهاية! من أنا؟ من أين جئت؟ إلى أين أسير؟ وما سر هذا الكون الذي أراه من حولي؟ أسئلة كانت تتراكم لتحرِّكه من أجل اكتشاف ذاته ومحيطه الذي يحياه، كما كانت تحرك مراد من أجل معرفة من يكون؟... ذلك السؤال الأهم الذي اقترحه عليه عبد الرحمن في بداية لقائه به، في ذلك المكان غير المأهول، على مشارف أترار!...".
وبعد "فرسان وكهنة" ملحمة تاريخية تزاوج بين الماضي والحاضر شكلت نسيجاً روائياً فريداً ساهمت المخيلة في صنع أحداثه أكثر من الذاكرة، فحملتنا إلى مطارح بكر لم تطأها أقدام الروائيين من قبل من دون أن تنقطع عن عالم الواقع. الأمر الذي تجلّى في وحدة نصية/سردية متناغمة ومشوق